منوعات

السعي طريق النجاح

فما دمت قد بذلت جهدك فانت ناجح بالفعل

كتب كريم الشافعي

الحياة رحلة طويلة مليئة بالتحديات. والسعي هو مفتاحك الأول للوصول إلى غايتك وأهدافك، ومن بين الحكم التي تجسد فلسفة السعادة والنجاح تلك المقولة التي تقول “خليك في السعي طماع وفي النتائج راضي”. تبدو هذه الكلمات بسيطة، لكنها في الواقع تحمل معنى عميق يوازن بين الطموح والرضا. فعندما نقول طماع في السعي، فنحن لا نعني الطمع السلبي الذي يرتبط بالأنانية أو الجشع، بل نعني الإصرار المستمر على تطوير الذات وعدم الاكتفاء بما هو متاح، فالإنسان الطموح لا يقف عند حدود معينة بل يسعى للأفضل دائمًا ويرى الفرص في كل موقف ويعمل بلا كلل ليحسن حياته ويحقق أحلامه. يقول الشاعر:
إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ… فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ
وهذا الطمع في السعي يتطلب صفات عديدة منها الإصرار والتخطيط الجيد والتطوير المستمر والمرونة التي تجعل الإنسان قادرًا على التأقلم مع الظروف وتغيير المسار عند الضرورة، فهذا النوع من الطمع محمود لأنه يرفع من قدر الإنسان ويدفعه ليكون أفضل نسخة من نفسه، فالسعي يعني العمل المتواصل والاجتهاد دون توقف، وكما قال الله تعالى في كتابه الكريم: “وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يُرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى” [النجم: 39-41].
أما الجزء الثاني من المقولة “وفي النتائج راضي” فهو يشير إلى حكمة عظيمة؛ فالإنسان قد يجتهد ويعمل بجد لكنه قد يواجه ظروفًا خارجة عن إرادته تحول بينه وبين الوصول للنتيجة التي يحلم بها وهنا يأتي دور الرضا. فالرضا لا يعني الاستسلام أو التقاعس عن العمل، بل يعني قبول النتائج مهما كانت مع الثقة التامة أن الله يختار لنا الأفضل دائمًا. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل قدّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان” [رواه مسلم].
فالرضا يزرع في النفس السكينة والهدوء ويجنبنا الشعور بالإحباط أو القلق الذي قد يعيق سعينا، ومن فوائد الرضا راحة البال والتحفيز للاستمرار في المحاولة القادمة، والتخلص من عبء مقارنة إنجازاتنا بإنجازات الآخرين لأن النفس الراضية تنعم بالهدوء وتحرر الإنسان من التفكير السلبي. وقد قال أحد الحكماء: “ما قسمه الله لك لن يفوتك، وما لم يُقسم لك لن تناله ولو كان بين يديك”.
تكمن عظمة هذه المقولة في الجمع بين السعي المستمر والرضا بالنتائج، وهذا التوازن هو السر الحقيقي للنجاح والسعادة، فلو اكتفى الإنسان بالرضا دون السعي سيعيش حياة راكدة بلا طموح، ولو سعى دون أن يتعلم الرضا ستتملكه مشاعر الإحباط والتوتر كلما واجه صعوبات.
قال الإمام الشافعي:
دع الأيام تفعل ما تشاء.. وطب نفسًا إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي.. فما لحوادث الدنيا بقاء
الحياة ليست دائمًا وردية لكن السعي يعلمنا مواجهة التحديات والرضا يمنحنا الصبر والتفاؤل. لذلك يجب أن نكون طماعين في سعينا وراء أحلامنا وأن نبذل أقصى جهدنا، لكن علينا في النهاية أن نسلم الأمر لله راضين بما قسمه لنا. يقول تعالى: “فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين” [آل عمران: 159].
فما دمت قد بذلت جهدك فأنت ناجح بالفعل.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights