العمل هو ركيزة الحياة

العمل هو ركيزة الحياة ومحرك تقدم الأمم وسعادة الأفراد، وهو ليس مجرد وسيلة لكسب الرزق، بل هو تعبير عن الاجتهاد والسعي لتحقيق الطموحات والأهداف. وقد أشار الله عز وجل في القرآن الكريم إلى أهمية العمل بقوله: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}. يوضح الله في هذه الآية أن العمل محل اهتمام في الدنيا والآخرة، فالإنسان يُحاسب على أعماله ويُجازى عليها، مما يعكس أن العمل يعد نوعًا من العبادة والتقرب إلى الله.
وفي إطار هذا الفهم، تنتشر مقولة “العمل عبادة”، وهي وإن لم تكن حديثًا نبويًا، إلا أنها تحمل رسالة قوية للشباب بأن العمل هو أساس كل تقدم سواء كان شخصيًا أو اجتماعيًا. العمل هو الذي يدفع الإنسان لتطوير مهاراته وتحقيق ذاته في مختلف المجالات.
إن الطريق إلى النجاح يبدأ بخطوة صغيرة، كما يعبر عن ذلك المثل العربي “أول الغيث قطر ثم ينهمر”. فالنجاح في أي عمل يبدأ بخطوة بسيطة، وهذه الخطوة قد تكون المفتاح الذي يفتح أبواب الرزق والتوفيق من الله. الشخص الذي يسعى لتحقيق أهداف كبيرة يجب أن يبدأ بخطوات صغيرة، وكل خطوة تقربه من تحقيق أهدافه وتملأ حياته ببركة الله.
ويأتي مثل آخر ليؤكد على أهمية البداية، وهو “مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة”. فقد يبدو الطريق إلى النجاح طويلاً ومليئًا بالتحديات، لكن الخطوة الأولى هي الأهم، فهي التي تقود إلى الأمام وتقطع شوطًا كبيرًا نحو تحقيق الهدف. عند البدء في تحويل الأفكار إلى واقع ملموس، قد يواجه الإنسان عقبات ومخاوف، لكن هذه المخاوف جزء لا يتجزأ من الرحلة، ويجب تجاوزها بالصبر والعزيمة.
وفي هذا السياق، تشير مقولة “يهب الله للطائر رزقه ولكنه لا يرميه له في عشه” إلى أن الرزق يتطلب السعي والجهد. الله سبحانه وتعالى يوفر لنا فرص الرزق، ولكن يجب علينا أن نسعى للحصول عليها. لا يمكن للإنسان أن يجلس منتظرًا الرزق دون بذل جهد، فالسعي والعمل هما المفتاح للوصول إلى ما يقدمه الله لنا.
وقد أكد النبي محمد ﷺ على أهمية التوكل على الله مع السعي والعمل في الحديث الشريف الذي رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً”. الطير يغادر عشه جائعًا ويعود ممتلئًا بعد أن بحث عن رزقه وسعى إليه. التوكل الحقيقي على الله لا يعني الاستسلام والانتظار، بل يتطلب بذل الجهد والاعتماد على الله.
ويعزز القرآن الكريم هذا المفهوم في قوله تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ}. الله يأمرنا بالسعي أولاً، ثم يأتي الرزق. ومثال آخر نجده في قصة السيدة مريم عليها السلام، حيث أمرها الله أن تهز جذع النخلة لتسقط عليها الرطب، رغم أن الله قادر على إسقاطها دون جهد منها، لكن العمل والسعي هما جزء من النعمة.
التوفيق من الله هو أعظم النعم، ويأتي لمن يسعى بجد واجتهاد. التوفيق لا يأتي من الفراغ، بل يتطلب السعي والعمل مع التوكل على الله والإيمان بأن الله هو المدبر وهو الذي يهدي إلى الصواب ويوفق لكل خير. قال تعالى: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بْاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}. التوفيق يتطلب الإيمان والعمل، والله وحده هو الذي يمنح النجاح ويوفق للخير.
في النهاية، يمكن القول إن العمل والبدء بخطوة صغيرة مع التوكل على الله هو السبيل الأنجح لتحقيق النجاح. فلا ينبغي أن يتردد الإنسان في أخذ الخطوة الأولى، فالعمل هو المفتاح لكل باب مغلق، والتوفيق من الله هو النعمة التي تجلب السعادة والنجاح.
بقلم كريم الشافعي